{وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (20)}قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْناها} هذا من نعمه أيضا، ومما يدل على كمال قدرته. قال ابن عباس: بسطناها على وجه الماء، كما قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} أي بسطها. وقال: {وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ}. وهو يرد على من زعم أنها كالكرة. وقد تقدم. {وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ} جبالا ثابتة لئلا تتحرك بأهلها. {وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} أي مقدر معلوم، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. وإنما قال: {مَوْزُونٍ} لان الوزن يعرف به مقدار الشيء. قال الشاعر:قد كنت قبل لقائكم ذا مرة *** عندي لكل مخاصم ميزانهوقال قتادة: موزون يعني مقسوم.وقال مجاهد: موزون معدود. ويقال: هذا كلام موزون، أي منظوم غير منتثر. فعلى هذا أي أنبتنا في الأرض ما يوزن من الجواهر والحيوانات والمعادن. وقد قال الله عز وجل في الحيوان: {وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً}. والمقصود من الإنبات الإنشاء والإيجاد.وقيل: {أَنْبَتْنا فِيها} أي في الجبال {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} من الذهب والفضة والنحاس والرصاص والقزدير، حتى الزرنيخ والكحل، كل ذلك يوزن وزنا. روى معناه عن الحسن وابن زيد.وقيل: أنبتنا في الأرض الثمار مما يكال ويوزن.وقيل: ما يوزن فيه الأثمان لأنه أجل قدرا وأعم نفعا مما لا ثمن له. {وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ} يعني المطاعم والمشارب التي يعيشون بها، واحدها معيشة بسكون الياء. ومنه قول جرير:تكلفني معيشة آل زيد *** ومن لي بالمرقق والصنابوالأصل معيشة على مفعلة بتحريك الياء. وقد تقدم في الأعراف.وقيل: إنها الملابس، قاله الحسن.وقيل: إنها التصرف في أسباب الرزق مدة الحياة. قال الماوردي: وهو الظاهر. {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ} يريد الدواب والأنعام، قاله مجاهد. وعنده أيضا هم العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} ولفظ {مَنْ} يجوز أن يتناول العبيد والدواب إذا اجتمعوا، لأنه إذا اجتمع من يعقل وما لا يعقل، غلب من يعقل. أي جعلنا لكم فيها معايش وعبيدا وإماء ودواب وأولادا نرزقهم ولا ترزقونهم. ف {مَنْ} على هذا التأويل في موضع نصب، قال معناه مجاهد وغيره.وقيل: أراد به الوحش. قال سعيد: قرأ علينا منصور {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ} قال: الوحش. ف {مَنْ} على هذا تكون لما لا يعقل، مثل {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ} الآية. وهى في محل خفض عطفا على الكاف والميم في قوله: {لَكُمْ}. وفية قبح عند البصريين، فإنه لا يجوز عندهم عطف الظاهر على المضمر إلا بإعادة حرف الجر، مثل مررت به وبزيد. ولا يجوز مررت به وزيد إلا في الشعر. كما قال:فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا *** فاذهب فما بك والأيام من عجبوقد مضى هذا المعنى في البقرة وسورة النساء.